Ad image

صمتٌ أعلى من الكلمات: المغرب أمام لحظة مواجهة مع جيله الغاضب

إضافة تعليق 8 دقائق للقراءة

د/أمال بوسعادة العلمي

كان المغاربة يترقبون خطاب محمد السادس بن الحسن أمام البرلمان كما يُترقب موقف حاسم في لحظة أزمة وطنية. فالشوارع كانت تغلي منذ أسابيع: احتجاجات شبابية متصاعدة، جيل كامل يصرخ ضد التهميش، يرفع شعارات غير مسبوقة ويطالب بتغيير عميق. غير أن ما جاء في الخطاب لم يكن موقفاً… بل كان صمتاً مقنعاً. تجاهل كامل للحدث الأهم في البلاد. لا إشارة، لا تفاعل، لا التزام.صمتٌ أعلى من الكلمات: المغرب أمام لحظة مواجهة مع جيله الغاضب

كان المغاربة يترقبون خطاب محمد السادس بن الحسن أمام البرلمان كما يُترقب موقف حاسم في لحظة أزمة وطنية. فالشوارع كانت تغلي منذ أسابيع: احتجاجات شبابية متصاعدة، جيل كامل يصرخ ضد التهميش، يرفع شعارات غير مسبوقة ويطالب بتغيير عميق. غير أن ما جاء في الخطاب لم يكن موقفاً… بل كان صمتاً مقنعاً. تجاهل كامل للحدث الأهم في البلاد. لا إشارة، لا تفاعل، لا التزام.

هذا التجاهل لم يُقرأ فقط كخيبة أمل، بل كصفعة سياسية لجيل بأكمله. فحين يخرج آلاف المواطنين — معظمهم من الشباب — للتعبير عن غضبهم العميق، ثم لا يجدون في أعلى سلطة بالبلاد سوى صمت بارد، فإن الرسالة التي تصلهم واضحة: “أنتم غير مرئيين”.

شرخٌ يتسع بين الدولة والمجتمع

لقد رسّخ الخطاب الأخير فجوة كانت تتسع بصمت منذ سنوات بين السلطة وجيل الشباب. فجيل زد المغربي لا يشبه الأجيال السابقة: منظم رقمياً، سريع الحشد، لا يثق في الوسطاء السياسيين التقليديين. كان من الطبيعي أن يتوقع هذا الجيل أن يسمع صوته في الخطاب الملكي، لكنه اصطدم بلحظة تعرّي فيها الخطاب الرسمي من كل تواصل حقيقي مع الواقع الاجتماعي.

تاريخياً، لعبت الخطابات الملكية دوراً محورياً في توجيه الرأي العام وتنفيس الاحتقان. أما هذه المرة، فقد تحولت إلى رمز لانفصال الدولة عن نبض الشارع.

محاكمة الاحتجاج… لا معالجة أسبابه

وكأن الصمت لم يكن كافياً، جاءت الأحكام القضائية القاسية بحق 12 متظاهراً، بمجموع 162 سنة سجناً، لتصب الزيت على النار. هذا الرقم وحده كفيل بتلخيص النهج الأمني الصادم الذي اختارته الدولة في مواجهة الغضب الشعبي.

بدلاً من فتح حوار حقيقي، أو الإشارة إلى مسار إصلاحات ملموس، اختيرت لغة الردع والسجون. والنتيجة أن صورة المغرب في مجال الحريات وحقوق الإنسان اهتزت بشدة، داخلياً وخارجياً.

لقد حاولت البلاد لعقود تقديم نفسها كاستثناء في محيط إقليمي مضطرب. اليوم، وبكل وضوح، الاستثناء يتهاوى.

رهان خطير على “الزمن” بدل الحل

من الواضح أن منطق إدارة الأزمة الحالي يقوم على رهانين: إما أن يهدأ الشارع من تلقاء نفسه، أو أن التخويف سيكفي لاحتوائه. غير أن هذا المنطق قصير النفس وخطير. فجيل زد ليس جيل الصمت، وليس من السهل كسر شوكة من تشكّل وعيه في فضاء مفتوح لا يسيطر عليه الإعلام الرسمي ولا التعليم التقليدي.

الرهان على “الوقت” فقط، دون مبادرات سياسية جريئة، ليس سوى رهان على تعميق الشرخ. كل يوم صمت جديد، هو يوم تفقد فيه الدولة جزءاً آخر من رصيدها الأخلاقي والسياسي أمام شعبها.

نهاية مرحلة “الصورة الجميلة”

ربما كانت مرحلة تقديم المغرب للعالم كبلد “منفتح ومستقر” تغطي الكثير من التوترات الداخلية. لكن الأحكام الثقيلة، وتجاهل مطالب الشباب، تجعل هذا الغلاف يتشقق بسرعة.
في عالم تتناقل فيه الصور والشعارات والاحتجاجات في لحظات، لا يمكن لأي خطاب رسمي أن يُخفي ما يجري على الأرض.

لحظة الحقيقة: إمّا الإصغاء… أو الانفصال التام

لا أحد يطلب من الدولة أن توافق على كل مطالب الشارع، لكن الحد الأدنى في أي عقد اجتماعي هو الاعتراف بوجود أزمة، والإنصات إلى من يعانونها. أما تجاهل الأصوات الصاعدة والاكتفاء بإظهار القوة، فهو طريق سريع نحو القطيعة السياسية بين الجيل الحاكم والجيل المحتج.

الملك صمت. والشباب لن يصمت. والبلاد تقف عند مفترق طرق حاسم. إما فتح الباب لحوار شجاع يعترف بالواقع ويواجهه، أو ترك الأمور تنفجر في وجه الجميع.

هذا التجاهل لم يُقرأ فقط كخيبة أمل، بل كصفعة سياسية لجيل بأكمله. فحين يخرج آلاف المواطنين — معظمهم من الشباب — للتعبير عن غضبهم العميق، ثم لا يجدون في أعلى سلطة بالبلاد سوى صمت بارد، فإن الرسالة التي تصلهم واضحة: “أنتم غير مرئيين”.

شرخٌ يتسع بين الدولة والمجتمع

- مساحة إعلانية -
Ad image

لقد رسّخ الخطاب الأخير فجوة كانت تتسع بصمت منذ سنوات بين السلطة وجيل الشباب. فجيل زد المغربي لا يشبه الأجيال السابقة: منظم رقمياً، سريع الحشد، لا يثق في الوسطاء السياسيين التقليديين. كان من الطبيعي أن يتوقع هذا الجيل أن يسمع صوته في الخطاب الملكي، لكنه اصطدم بلحظة تعرّي فيها الخطاب الرسمي من كل تواصل حقيقي مع الواقع الاجتماعي.

تاريخياً، لعبت الخطابات الملكية دوراً محورياً في توجيه الرأي العام وتنفيس الاحتقان. أما هذه المرة، فقد تحولت إلى رمز لانفصال الدولة عن نبض الشارع.

محاكمة الاحتجاج… لا معالجة أسبابه

وكأن الصمت لم يكن كافياً، جاءت الأحكام القضائية القاسية بحق 12 متظاهراً، بمجموع 162 سنة سجناً، لتصب الزيت على النار. هذا الرقم وحده كفيل بتلخيص النهج الأمني الصادم الذي اختارته الدولة في مواجهة الغضب الشعبي.

بدلاً من فتح حوار حقيقي، أو الإشارة إلى مسار إصلاحات ملموس، اختيرت لغة الردع والسجون. والنتيجة أن صورة المغرب في مجال الحريات وحقوق الإنسان اهتزت بشدة، داخلياً وخارجياً.

- مساحة إعلانية -
Ad image

لقد حاولت البلاد لعقود تقديم نفسها كاستثناء في محيط إقليمي مضطرب. اليوم، وبكل وضوح، الاستثناء يتهاوى.

رهان خطير على “الزمن” بدل الحل

من الواضح أن منطق إدارة الأزمة الحالي يقوم على رهانين: إما أن يهدأ الشارع من تلقاء نفسه، أو أن التخويف سيكفي لاحتوائه. غير أن هذا المنطق قصير النفس وخطير. فجيل زد ليس جيل الصمت، وليس من السهل كسر شوكة من تشكّل وعيه في فضاء مفتوح لا يسيطر عليه الإعلام الرسمي ولا التعليم التقليدي.

الرهان على “الوقت” فقط، دون مبادرات سياسية جريئة، ليس سوى رهان على تعميق الشرخ. كل يوم صمت جديد، هو يوم تفقد فيه الدولة جزءاً آخر من رصيدها الأخلاقي والسياسي أمام شعبها.

نهاية مرحلة “الصورة الجميلة”

ربما كانت مرحلة تقديم المغرب للعالم كبلد “منفتح ومستقر” تغطي الكثير من التوترات الداخلية. لكن الأحكام الثقيلة، وتجاهل مطالب الشباب، تجعل هذا الغلاف يتشقق بسرعة.
في عالم تتناقل فيه الصور والشعارات والاحتجاجات في لحظات، لا يمكن لأي خطاب رسمي أن يُخفي ما يجري على الأرض.

لحظة الحقيقة: إمّا الإصغاء… أو الانفصال التام

لا أحد يطلب من الدولة أن توافق على كل مطالب الشارع، لكن الحد الأدنى في أي عقد اجتماعي هو الاعتراف بوجود أزمة، والإنصات إلى من يعانونها. أما تجاهل الأصوات الصاعدة والاكتفاء بإظهار القوة، فهو طريق سريع نحو القطيعة السياسية بين الجيل الحاكم والجيل المحتج.

الملك صمت. والشباب لن يصمت. والبلاد تقف عند مفترق طرق حاسم. إما فتح الباب لحوار شجاع يعترف بالواقع ويواجهه، أو ترك الأمور تنفجر في وجه الجميع.

شارك هذا المقال
اترك تعليقًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *