Ad image

فصول جديدة في قضية ياسين الشبلي: الإنكار، التستر، ومحاولات طمس الحقيقة

إضافة تعليق 5 دقائق للقراءة

كل هذه المعطيات المفزعة التي تسربت من كواليس المحكمة ومن وقائع ما بعد وفاة الشاب ياسين الشبلي، جاءت عبر مكالمة هاتفية مباشرة بين شقيق الضحية والصحافي حميد المهداوي، مدير نشر موقع “بديل”، حيث كشف الأخ تفاصيل لم تُنشر من قبل، توثق حجم التنكيل، والضغط، ومحاولات التستر التي تعرضت لها العائلة منذ اللحظات الأولى لوفاة ابنهم.

لكن المقلق أكثر أن هذه الحقائق، التي من المفترض أن تفتح الباب أمام تحقيق نزيه ومحاسبة صارمة، قوبلت من طرف بعض الصحفيين بالتطبيل والتواطؤ المفضوح. فقد عملت بعض الأقلام الموالية للأجهزة الأمنية على تقديم القضية كأنها حادث عرضي.

في الجلسة الأخيرة، التي تلت جلسة عرض تسجيلات الفيديو، سأل رئيس المحكمة أحد عناصر الشرطة المتهمين إن كان قد قام بتصليب الضحية، لكن الجواب كان إنكاراً متواصلاً، رغم تكرار القاضي للسؤال أكثر من ست مرات. بل حتى بعد مواجهته بشهادات تفيد أنه أمسك هو وزميله بيدي الضحية من الطرفين وقاما بجرّه وربطه، استمر الإنكار. دافع المتهمون عن أنفسهم بحجة تقنية واهية: “لا يمكن تصليب الضحية لأن قضبان الزنزانة عمودية”، وكأننا بصدد شرح فيزياء الحديد وليس جريمة تعذيب واضحة.

القاضي، الذي بدا منزعجاً من تكرار الإنكار، قرر فجأة تحويل الجلسة إلى جلسة سرية، في محاولة على ما يبدو لمباغتة المتهمين بالأدلة بعيداً عن أعين الإعلام والرأي العام. وخلال الجلسة، وُجهت لهم أسئلة دقيقة حول تعنيف الضحية وضربه في مناطق حساسة كالرأس وتحت الركبتين، وهي ضربات لا تستعمل إلا بقصد الإذلال وليس السيطرة الأمنية. رغم كل ذلك، ظل المتهمون مصرين على النفي.

دفاع الضحية طالب بالحصول على نسخ من تسجيلات الفيديو التي توثق لحظة توقيف الضحية وما جرى داخل المخفر، غير أن النيابة العامة رفضت ذلك مراراً، دون تقديم أي مبرر قانوني، ما يعزز فرضية التستر وحجب الحقيقة.

- مساحة إعلانية -
Ad image

المعاناة لم تتوقف داخل المخفر فقط، بل امتدت إلى المستشفى. عندما توفي ياسين، تم نقل جثته إلى مستشفى عمومي، لكن الشرطة طوقت المكان ومنعت عائلته من رؤيته، مدعية أنها “أوامر من جهات عليا”. رغم أن شقيقه حصل على إذن رسمي من مدير المستشفى، إلا أنهم منعوه من الدخول. تحدى المنع، وتمكن من الدخول ليكتشف جثة أخيه عارية كلها كدمات داخل الثلاجة، في وضع مهين وغير إنساني، فقام بتوثيق المشهد. حينها تدخلت عناصر الأمن لمحاولة نزع الهاتف ومسح الصور، لكن العائلة قاومت وتمكنت من الاحتفاظ بالتوثيق، الذي انتشر لاحقاً على مواقع التواصل.

نتائج التشريح الطبي كانت كافية وحدها لفتح ملف تعذيب شامل. كسر في العنق، كسر في الفك السفلي، كدمات على كامل الجسد، نزيف داخلي على مستوى الرأس والأنف والأذن، وضربات مباشرة خلف الرأس وتحت الأذن. رغم ذلك، لم يتم تحديد سبب واضح ومباشر للوفاة في التقرير، وكأن الجثة لا تتكلم.

ومن الشهادات التي تم تداولها، ما أفاد به أحد المتهمين أثناء استجوابه، حيث اعترف بأن ياسين ظل مكبلاً بالأصفاد من الخلف لأكثر من ثماني ساعات، وأن تلك الأصفاد اخترقت جلده. وحين طلب من المسؤول الأعلى تخفيفها عنه، تلقى جواباً بارداً: “خليه، يستاهل”. وعند عودته من المستشفى، تم تعليقه مجدداً داخل الزنزانة، على شكل صليب حرف T، حيث تم شد يديه بقوة إلى أقصى قضبان الزنزانة، مما جعله شبه معلق، لا يلمس الأرض إلا بأطراف أصابع قدميه، في مشهد تعذيب لا يُصدّق.

ولكي تكتمل المسرحية، تم اتهام الضحية بأنه كان في حالة سكر أو تحت تأثير المخدرات، لكن شقيقته قدمت ملفاً طبياً يُثبت أن ياسين لم يكن يدخن حتى السجائر، وأنه رياضي معروف، يحمل الحزام الأسود في فنون القتال المختلطة. القاضي نفسه سأل أحد المتهمين إن كان قد شمّ رائحة كحول في قيء الضحية، فأجاب بالنفي التام. ما يدل على أن محاولة تلفيق صورة “المنحرف” للضحية انهارت أمام الواقع.

هذه القضية لم تعد فقط ملف تعذيب، بل أصبحت مرآة تُعرّي عدداً من الصحفيين الذين باعوا ضمائرهم، وساهموا في تضليل الرأي العام، والدفاع عن المؤسسة الأمنية ورجال الحموشي بمنطق الولاء الأعمى، لا بمنطق الحقيقة.

- مساحة إعلانية -
Ad image

الجلسة المقبلة ستكون يوم الأربعاء، وربما ستكشف المزيد، لكن الحقيقة باتت واضحة: ياسين الشبلي لم يمت، بل قُتل – بعلم، بتواطؤ، وبسكوت بعض من يفترض أنهم حماة الحقيقة.

شارك هذا المقال
اترك تعليقًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *