في زمن صار فيه “السكوت من ذهب”، يبدو أن الكلام أصبح من “يورانيوم مخصب”! مرحباً بكم في نسخة مطوّرة من كوريا الشمالية، تصدر فيها الأحكام القضائية عبر “الريموت كونترول”، دون حاجة لمحكمة، أو محامٍ، أو حتى إشعار. فقط مايكروفون، كاميرا، وجرأة على فضح الفساد: هذه هي الأدلة الجنائية التي استندت إليها محكمة الاستئناف بالرباط لتحكم على المواطن الكندي هشام جيراندو بـ15 سنة سجناً نافذاً.
أجل، لقد قرأتم جيداً: خمس عشرة سنة، لأن هشام قرر أن يُزعج منظومة من الإسمنت المسلح بالحصانة، ويرفع صوته في وجه مقاولة الفساد المزدهرة. مناضل؟ نعم. إرهابي؟ فقط في عقول من يرتعب من “اليوتيوب”.
جرم هشام؟ أنه مارس هواية مغربية قديمة: الكلام.
لكن ليس أي كلام! كلام يتحدث عن التعذيب، عن نهب المال العام، عن مسؤولين يمارسون “السلطة” كأنها مزرعة خاصة. كلام يفضح فساد مديريات أمنية أصبحت كالأخطبوط، أذرعها تمتد من غرف التحقيق إلى قاعات المحكمة، دون أن تترك وراءها سوى بصمات على جلود المعتقلين وخرائط للحقد داخل السجون.
كندا قد تمنحه جائزة لحرية التعبير، بينما الرباط تمنحه “إرهاباً”!
الجهة الشاكية؟ ليست إلا أحد حماة هذا “المعبد المقدس” للسكوت العام، نجيم بنسامي، الوكيل العام السابق الذي يبدو أنه وجد في فيديوهات هشام وجبة دسمة تسببت له بعسر في الهضم الدستوري.
الغريب في الأمر أن هشام لم يخترق قاعدة عسكرية، لم يدعُ إلى العنف، لم يؤسس خلية نائمة (رغم أن البعض ينام فعلاً على فشل هذه الدولة في الإصلاح). كل ما فعله أنه شغّل الكاميرا وقال ما يخشاه الملايين. فهل أصبح الصدق تهمة؟ وهل صارت العدالة قاضية نائمة تستيقظ فقط لتُصدر الأحكام من خلف الستار؟
رسالة هشام: “لن أسكت، لأني لست خائفاً، بل لأنني كندي!”
نعم، هو مواطن كندي. وهذا وحده كافٍ ليُربك أجهزة، ويحرّك ملفات، ويصدر أحكاماً. لأن هشام لا يمكن أن يُختطف ليلاً، ولا يُرهب داخل زنزانة، ولا يُجبر على توقيع اعترافات. صوته خارج القفص، خارج الرقابة، وخارج المنطق البوليسي البائس الذي ظن أن القضاء يمكنه أن يصمت اليوتيوب.
هشام، الذي قال يوماً: “بلغ السيل الزبى، وبلغتُ أنا حموشي”، لن يتراجع. لأن الكلمة الحرة لا تُقمع بحكم غيابي، ولا تُطفأ بزرّ أمني، ولا تُخرس بخمس عشرة سنة مكتوبة على ورق هشٍّ كعدالة هذه النسخة الرديئة من دولة بوليسية.
خاتمة: إلى أولياء نعم الفساد، ارتاحوا… لحظة، لا ترتاحوا كثيراً. هشام ما زال يتكلم.
إستفدت من مقالك ، هذا هو المقصود !!!