بعد أكثر من عام ونصف على زلزال الحوز، لا يزال آلاف المتضررين يعيشون وسط البرد والجوع والفقر، في خيام مهترئة تسقط مع كل عاصفة، بينما وعود الإعمار والسكن لم تتحقق إلا في البيانات الرسمية. ومع تصاعد الغضب الشعبي في مواقع التواصل، وانتشار مقاطع فيديو توثق الوضع الكارثي في المنطقة، خرجت فجأة حملة منظمة من المطبلين والمأجورين، تنشر مقالًا واحدًا بنسخة طبق الأصل، عنوانه العريض: “الداخلية تكشف انتهاء بناء 15 ألف مسكن بالحوز وتقلص الخيام إلى 3000”.
لكن الغريب ليس فقط التوقيت، بل أيضًا الطريقة: فجأة، في منتصف الليل، امتلأت الصفحات والمنشورات بنفس الخبر، بنفس الصياغة، وكأن وزارة الداخلية أصبحت تعمل بنظام الطوارئ الإعلامية، لا للبناء والإعمار، بل للرد على المحتجين وتلميع صورتها عبر جيش إلكتروني مدفوع الأجر.
حملة ترويجية بدل الحلول الواقعية
المقال الذي تم ترويجه بشكل متزامن يدّعي أن الأشغال وصلت مراحل متقدمة، وأن 15 ألف منزل جاهز، بينما على الأرض لا تزال الأسر تئن تحت وطأة البرد القارس، والخيام التي تتهاوى، والأطفال الذين يعانون من الهدر المدرسي، والمرضى الذين لا يجدون حتى الرعاية الصحية الأساسية.
إذا كان 15 ألف منزل قد تم بناؤه كما يدّعون، فأين السكان الذين انتقلوا إليه؟ لماذا لا توجد شهادات موثقة لمتضررين حصلوا على منازلهم؟ لماذا لا يزال الناس يصرخون في الفيديوهات ويطالبون بحقوقهم؟
الداخلية تصدر بلاغاتها عبر المطبلين؟
العادة أن البلاغات الرسمية تصدر عبر القنوات الرسمية، مثل المواقع الحكومية، أو عبر وكالة الأنباء الرسمية، وليس عبر منشورات من حسابات مجهولة، تابعة لجيوش إلكترونية معروفة بولائها للأحزاب والسلطة. فهل أصبحنا في زمن الترويج الدعائي بدل الشفافية؟
إذا كان هذا “الإنجاز العظيم” حقيقيًا، فلماذا لم يخرج وزير الداخلية في مؤتمر صحفي؟ لماذا لم نرَ زيارات ميدانية لمسؤولي الدولة لتسليم المنازل بشكل رسمي؟ الحقيقة أن التلاعب بالمعلومة أخطر من عدم وجودها، وما قامت به الداخلية في هذا التوقيت لا يبدو أكثر من رد فعل متسرع على تصاعد الضغط الشعبي.
الواقع أقوى من الدعاية
الحقيقة المرة هي أن سكان الحوز لا يزالون في معاناة، والأدلة حية ومباشرة:
- الفقر والجوع مستمران، لأن الدعم الذي وُعدوا به لم يصل إليهم كما كان يفترض.
- الخيام لا تزال قائمة، وعددها يفوق بكثير الأرقام التي تم نشرها.
- الأطفال خارج المدارس بسبب عدم توفر بيئة مناسبة لهم.
- الشتاء والبرد القارس لا يزالان يفتكان بالعائلات التي لا تجد حتى أغطية دافئة.
الخلاصة: تلميع الصورة لن يخفي الفشل
بدل الإنفاق على حملات الترويج والدعاية الكاذبة، كان الأجدر بالحكومة أن تعمل بجدية لحل مشاكل السكان. فالشعب المغربي اليوم لم يعد يُخدع بسهولة، ولا يمكن لبيان مُنسَّق، يتم نشره في منتصف الليل، أن يُلغي الحقيقة التي تعيشها آلاف العائلات يوميًا.
إذا كان ما تدّعونه صحيحًا، فلتفتحوا أبواب الحوز للإعلام المستقل، ليوثق بنفسه “الإنجازات العظيمة” التي تتحدثون عنها. لكن طالما أن الواقع مخالف لما يروجونه، فستبقى الحقيقة واضحة: ما زال أهل الحوز يعانون، وما زالت وعود الدولة مجرد كلام في بيانات منتصف الليل.