من يوقف نزيف ضحايا الكريساج والتشويه؟
في قلب المغرب النابض بالحياة، وعلى أرصفة المدن الكبرى والصغرى على حد سواء، بات مشهد الاعتداءات المتكررة بالسلاح الأبيض جزءاً من الحياة اليومية للمواطن البسيط. لم يعد الأمر يقتصر على سرقة هاتف محمول أو حقيبة يد، بل تجاوز ذلك بكثير ليصل إلى اعتداءات وحشية يرافقها تشويه متعمد لوجوه الضحايا، كما لو أن المعتدي لا يكتفي بأخذ ما ليس له، بل يُصر على ترك أثر دائم في جسد الضحية وحياته.
فتيات في عمر الزهور وشباب بالكاد بدأوا يشقون طريقهم في الحياة، يجدون أنفسهم في مواجهة مع مجرمين لا يترددون في استخدام السكاكين وشفرات الحلاقة، مخلّفين وراءهم جروحًا غائرة لا تندمل، وندوبًا نفسية تفوق في قسوتها أثر الجراح الجسدية.
الشارع المغربي، الذي من المفترض أن يكون فضاءً آمناً للحياة اليومية، تحوّل إلى ميدان للرعب، حيث يسير الناس وهم يحملون في قلوبهم خوفاً دائماً من أن يكونوا هم الضحية التالية.
المقلق في هذه الظاهرة ليس فقط تزايد عدد الحالات، بل أيضا طبيعتها الوحشية التي أصبحت سمة بارزة في هذه الاعتداءات. فالتشويه المتعمد للوجه لم يعد فعلاً استثنائياً، بل يكاد يصبح توقيعاً خاصاً لدى بعض المجرمين. الضحايا، حين يروون تفاصيل ما حدث لهم، غالباً ما يكون وصفهم واحدًا: لم يُطلب منهم فقط الاستسلام وتسليم ممتلكاتهم، بل تعرضوا لعنف مفرط يبدو أن الغاية منه هي الإذلال والترويع.
في ظل هذا الواقع المؤلم، لا يمكن تجاهل الأسئلة التي أصبحت تؤرق كل مواطن مغربي: كيف يمكن أن تنتشر هذه الاعتداءات في وضح النهار؟ أين هي تلك الأنظمة الأمنية التي اعتادت أن تتعامل مع التهديدات الأكبر بكفاءة عالية؟ ولماذا لا تنعكس تلك القدرات على مستوى الجرائم اليومية التي تمس حياة المواطن العادي بشكل مباشر ويومي؟
الواقع يشير إلى أن معظم عمليات توقيف المعتدين لا تحدث إلا بعد انتشار مقاطع فيديو توثق الجرائم على وسائل التواصل الاجتماعي. هنا فقط تبدأ التحركات، وكأن الكاميرا أضحت أداة إنفاذ قانون موازية. لكن ماذا عن الجرائم التي لا تُوثق ولا تصل إلى عدسات الهواتف الذكية؟ كم من ضحية ظلت صرخاته في الخفاء ولم تصل إلى منصة عامة حتى يتم التفاعل معها؟
هذا الغياب للشعور بالأمان يترك أثره العميق في النفوس. فحين يخشى المواطن أن يسير في شوارع مدينته بحرية، أو أن يستخدم وسائل النقل العمومي دون أن تتحول رحلته إلى كابوس محتمل، يصبح الحديث عن الأمن مجرد شعار فارغ لا يعكس واقع الحال.
بل إن العديد من الضحايا الذين نجوا بأعجوبة من هذه الاعتداءات يصفون شعورهم ليس فقط بالألم والخوف، بل أيضاً بالخذلان. خذلان مصدره ذلك الفراغ الكبير بين وعود الحماية والواقع القاسي الذي يواجهونه يومياً.
من المؤسف أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي هي التي تحرك المياه الراكدة، بينما من المفترض أن تكون الحماية والأمان من الحقوق الأساسية للمواطن، وليست امتيازًا مشروطًا بمدى انتشار فيديو أو صورة على الإنترنت.
وفي الوقت الذي تشيد فيه تقارير دولية بقدرات المغرب الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، يبقى المواطن البسيط عرضة لتهديد حقيقي في الشارع الذي يسير فيه يومياً إلى عمله، مدرسته، أو بيته.
إن الإحساس بالظلم يتسرب إلى النفوس حين يُترك الناس لمصيرهم، في حين أن كل المؤشرات توحي بأن هذه الاعتداءات كان من الممكن تجنبها لو تم التعامل مع مؤشرات الخطر في وقت مبكر.
بين الخوف اليومي، والجراح التي لا تُشفى بسهولة، يعيش المغاربة واقعاً قاسياً يستحق التوقف عنده طويلاً، لأن الذي يحدث ليس عادلاً على الإطلاق.