Ad image

سيارات الإسعاف بين إنقاذ الأرواح وتحرير المخالفات

إضافة تعليق 3 دقائق للقراءة

أثارت قضية تحرير مخالفات سرعة ضد سيارات الإسعاف التابعة للجماعات الترابية في إقليم تارودانت وغيرها من المناطق نقاشًا واسعًا داخل المجالس المحلية وتحت قبة البرلمان. فقد تفاجأت جماعات ترابية بتلقي استدعاءات من المحاكم المختصة لدفع غرامات مالية بسبب مخالفات رصدتها الرادارات الثابتة، رغم أن القانون المغربي يمنح استثناءات لسيارات الإسعاف في حالات الاستعجال. هذه الإشكالية تطرح سؤالًا عميقًا: هل يمكن أن يتحول عمل إنساني كإنقاذ الأرواح إلى جريمة يعاقب عليها القانون؟

ينظم القانون رقم 52.05 المتعلق بمدونة السير على الطرق قواعد حركة المركبات، ويقر باستثناءات محددة لسيارات الإسعاف في حالات الضرورة القصوى. كما أن المادة 23 من المرسوم رقم 2.10.420 الصادر في 29 شتنبر 2010 تنص على السماح لسيارات الإسعاف بتجاوز السرعة القانونية في الحالات الاستعجالية، خاصة إذا تعلق الأمر بإنقاذ حياة المرضى أو نقل الجرحى. غير أن الممارسة على أرض الواقع تكشف عن تناقض واضح بين النص القانوني وتطبيقه، حيث لا تزال الرادارات الثابتة تسجل مخالفات سرعة ضد سيارات الإسعاف، مما يضع الجماعات الترابية في مواجهة القضاء والغرامات المالية.

في تصريحات لجريدة العمق عبّر عدد من سائقي سيارات الإسعاف عن استيائهم من هذه المخالفات، مؤكدين أنهم يضطرون في حالات حرجة إلى تجاوز السرعة المحددة لإنقاذ أرواح المرضى، خصوصًا عند نقل ضحايا حوادث السير أو الحالات الصحية المعقدة. وأكدوا أن التقيّد الحرفي بالسرعة القانونية في مثل هذه الظروف قد يشكّل خطرًا أكبر على حياة المرضى. ولم يتوقف النقاش عند حدود الميدان، بل وصل إلى البرلمان، حيث وجّه فريق الأصالة والمعاصرة سؤالًا كتابيًا لوزير النقل واللوجستيك عبد الصمد قيوح، يطالبه بالتدخل لإيجاد حل لهذه الإشكالية التي اعتبروها متناقضة مع مقتضيات مدونة السير. وأوضح البرلماني الحسين بوالرحيم أن عددًا من الجماعات في إقليم تارودانت تتلقى سنويًا استدعاءات من المحاكم لدفع غرامات مرتبطة بمخالفات سرعة سيارات الإسعاف، رغم أنها كانت في مهام طبية عاجلة.

مؤخرًا، برزت حالة أكثر إثارة للجدل: سيارة إسعاف تابعة لاقليم اسفي جماعة شهدة كانت تنقل مصابًا في حادثة سير خطيرة، لكن سائقها التزم بالسرعة المحددة (50 كيلومترًا في الساعة) بدلًا من تجاوزها، ما اعتبره البعض تقييدًا للواجب الإنساني. المفارقة الأكبر أن رئيس الجماعة، عبد الكبير بومعاز، وُجّهت له اتهامات بتهديد مرافق المصاب هاتفيًا بأنه سيتابعه قضائيًا، وهو ما أثار موجة استنكار عارمة: هل أصبح إنقاذ الأرواح عملًا يُعاقب عليه القانون؟

- مساحة إعلانية -
Ad image

هذا الوضع يضع سائقي سيارات الإسعاف بين مطرقة الواجب المهني والإنساني، وسندان القانون كما يُطبّق عمليًا. فإذا أسرعوا لإنقاذ الأرواح يواجهون الغرامات وربما المحاكم، وإذا التزموا بالسرعة القانونية فإن حياة المرضى قد تكون الثمن. وتكشف هذه الظاهرة عن حاجة ملحّة إلى إصدار تعليمات واضحة من وزارة النقل ووزارة الصحة والداخلية، تُلزم أجهزة المراقبة الطرقية باستثناء سيارات الإسعاف في حالات الاستعجال من المخالفات الآلية. كما تبرز الحاجة إلى وعي قانوني ومجتمعي بأن حياة المواطن فوق كل اعتبار، وأن النصوص القانونية يجب أن تُفسَّر بما يضمن سلامة الأرواح قبل أي شيء.

شارك هذا المقال
اترك تعليقًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *