Ad image

ذهب تندوف يشعل فتيل التوتر بين الجيش الجزائري والبوليساريو

إضافة تعليق 4 دقائق للقراءة

تشهد مخيمات تندوف والمناطق الصحراوية المحيطة بها جنوب غرب الجزائر تصاعدًا غير مسبوق في التوترات بين الجيش الجزائري وعناصر من جبهة البوليساريو، وسط صراع محتدم حول عمليات التنقيب غير الشرعي عن الذهب. هذه الأزمة الأخيرة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت تتويجًا لسنوات من الاحتقان الاجتماعي، والتشابك المعقد بين المصالح الاقتصادية، والسياسية، والأمنية في منطقة شديدة الحساسية.

في 9 أبريل 2025، تحولت منطقة العركوب القريبة من مخيم الداخلة بتندوف إلى مسرح لعملية عسكرية عنيفة نفذتها وحدات من الجيش الجزائري ضد مجموعة من المنقبين عن الذهب. العملية أسفرت عن مقتل شخص واحد وإصابة تسعة آخرين بجروح متفاوتة، في مشهد أعاد إلى الأذهان سلسلة من الحوادث الدامية التي وقعت في السنوات الأخيرة في المنطقة.
ووفقًا لمصادر محلية، نفذت القوات الجزائرية العملية دون تنسيق مع جبهة البوليساريو التي تدير فعليًا المخيمات والمناطق المحيطة، ما أثار سخطًا واسعًا وسط سكان المخيمات الذين باتوا يرون في تصرفات الجيش مساسًا مباشراً بوجودهم الهش.

هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها؛ فقد سبقتها سلسلة من التدخلات العسكرية، أبرزها في صيف عام 2024 حين شنت طائرة مسيرة جزائرية غارة استهدفت قافلة من سيارات المنقبين عن الذهب، ما خلف عدداً من القتلى، تُركت جثثهم في العراء لأيام عند أطراف الحدود. كما شهد عام 2022 حادثة مروعة أخرى عندما قامت عناصر الجيش الجزائري بحرق ستة منقبين داخل بئر مهجورة، في واقعة صدمت الرأي العام وأشعلت موجة غضب عارمة في مخيمات تندوف.

الجيش الجزائري كشف في تقارير رسمية عن ارتفاع قياسي في نشاط التنقيب غير الشرعي عن الذهب في الجنوب الجزائري، مشيرًا إلى أن المنطقة باتت مرتعًا لـ”مافيات دولية” تستنزف ثروات البلاد الطبيعية. غير أن المتابعين للمشهد يربطون هذا النشاط المتزايد بتدهور الأوضاع الاقتصادية داخل المخيمات، حيث يعاني السكان من الفقر المدقع، وانعدام فرص العمل، والاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية، ما يدفع الكثيرين إلى المخاطرة بحياتهم بحثًا عن فتات من الذهب.

- مساحة إعلانية -
Ad image

وفي ظل هذا الوضع الهش، تتحول منطقة تندوف شيئًا فشيئًا إلى بؤرة صراع معقّدة تتداخل فيها الحسابات السياسية بالإجرامية. فهناك تقارير استخباراتية دولية تفيد بأن بعض عناصر البوليساريو المتورطين في عمليات التنقيب غير الشرعي عن الذهب، ينتمون إلى جماعات مسلّحة أو لديهم ارتباطات بشبكات تهريب دولية عابرة للحدود، ما يزيد من تعقيد الأزمة.
وكانت الولايات المتحدة قد صنفت في وقت سابق بعض الكيانات المتشددة في المنطقة ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية، فيما تتهم أصوات حقوقية وسياسية الجزائر بأنها تغض الطرف عن أنشطة هذه الجماعات، أو حتى تقدم لها الدعم غير المباشر تحت غطاء سياسي.

يُضاف إلى ذلك أن مخيمات تندوف تشهد منذ سنوات وجود معتقلين داخل سجون سرية، معظمهم من معارضي قيادة البوليساريو الذين يطالبون بمزيد من الحريات، أو بالكشف عن مصير المختفين قسرًا. هؤلاء المعتقلون ليسوا من “الحراك الشعبي” ولا من المطالبين باستقلال “الصحراء الغربية” فحسب، بل بينهم أيضاً معارضون ينددون بتحول الجبهة إلى مجرد ميليشيا مرتزقة مرتبطة بأجندات خارجية، على رأسها دعم النظام الجزائري.

ما يحدث اليوم في تندوف يتجاوز بكثير مجرد صدام بين منقبين عن الذهب ووحدات الجيش؛ إنه تجسيد لصراع أعمق بين رؤية الجزائر لدورها في الصحراء الكبرى، ومحاولة البوليساريو الحفاظ على مصادر تمويلها ومناطق نفوذها.
وفي ظل غياب أفق سياسي لحل هذا النزاع، ومع تصاعد الأنشطة الإجرامية، تبدو المنطقة مرشحة لمزيد من التصعيد، مما يُنذر بتفجر الأوضاع في أية لحظة.

بات من الواضح أن الذهب لم يعد مجرد معدن نفيس في صحراء الجزائر، بل تحوّل إلى فتيل يشعل نزاعات داخلية تهدد الاستقرار الهش في تندوف. فإلى متى ستبقى المخيمات رهينة لصراع المصالح، وإلى متى سيستمر النظام الجزائري في الرهان على دعم ميليشيات البوليساريو على حساب أمن المنطقة؟

- مساحة إعلانية -
Ad image
شارك هذا المقال
اترك تعليقًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *