جبتي مْعلَّم بغيتيه يصبغ ليك الدار واتفقت معه على الأجر. في نهاية اليوم جاءك وقد أنجز 60% من العمل وطالبك بأجرته كاملة. عندما قمت بالاحتجاج على عدم إتمامه العمل، اتهمك بالعدمية والسلبية، وأنك لا تنظر إلى نصف الكأس المملوء (60% المُنجزة)، بل تُركز نظرك على 40% غير المُتْممة.
طبعا تفهمت المثال وأكيد ستقوم بالاحتجاج لو صادفت حالة مشابهة، كما أن المعلم سيُتمم عمله (كميِّاًّ) لأنك حاط رزقك.
ماذا إذن عن المال العام؟ أليس مالا خاصا لجميع المواطنين؟ أليس من واجب جميع الناس المطالبة بجميع حقوقهم كاملة غير منقوصة؟ ومطالبة الحكام والوزراء ومدراء المؤسسات العمومية بإتقان عملهم لأن عباد الله حاطين أرزاقهم رواتب وامتيازات خيالية لهؤلاء الموظفين؟ لماذا ليس من حقنا مساءلة مسؤول يلتهم عشرات (ومئات) الملايين سنويا بنفس الحـ.ماس و”الهِمَّة” اللَّذان نتحاسب بهما مع مْعلم يتقاضى بضع مئات من الدراهم؟
ملّي وزير التشغيل براتب 7 ملايين شهريا (الرسمي!) مدة أربع سنوات ومعدل البطالة يطُنن فوق 23%، بـ مليون و600 ألف معطل (رسمي). شنو مهمة هذا الوزير؟ وآش جا يْدير؟
ملّي وزير الفلاحة موضوعة تحت يديه 110 مليار درهم ميزانية الجيل الأخضر، غير آلاف المليارات الأخرى وملايين الهكتارات من الأراضي والإمكانيات والبلاد أصبحت تستورد كل شيء، وجميع المواد الأساسية في ارتفاع. آش جا يدير؟
ملّي لصـ.وص المال العام لا يقبعون في السـ.جن والمُغتصـ.بون يُحكمون بسنة وسنتين، ولّي هضر على حقه، في الواقع كما المواقع، يُسجن عشرات السنوات. آش جا يدير سّي مْحمد وزير العدل؟
ملّي فوزي وزير الميزانية يعترف بارتفاع العوائد الضريبية بقرابة الضعف بين 2021 و2025، مع مواصلة معدلات الاستدانة ارتفاعها. آش جا يدير؟
ملّي وزير الثقافة يُخصص 4.5 مليار سنتيم لتنظيم معرض كتاب، ونصف مليار لتجهيز مكاتب وزارته، والمواطن المغربي لا يقرأ أكثر من نصف صفحة كتاب سنويا ويدخن 400 سيجارة. آش جا يدير سي المهدي؟ وما وظيفة خونا محمد؟ وما دور موسيو “بنسعيد”؟!
ملّي الناطق الرسمي باسم الحكومة “عُمر” (صديق الكابتن رابح) لا يقدم أية معلومة مفيدة تشفي غليل الرأي العام، وجالس يلعب بمليارات الدولة تحت غطاء عمل الجمعيات بشركة مع وزارة العلاقة مع البرلمان. آش جا يدير؟
ملّي ملاعب المونديال تُنجز بسرعة البرق والعمال بها يربطون الليل بالنهار، وعشرات آلاف الأسر لا تزال مجمدة في جبال الحوز وسوس ودرعة. آش جات تدير وزيرة الإسكان؟ وآش جا يدير وزير المالية؟ وآجا جا يدير كل ممثل للسلطات المُعيَّنة في المناطق المنكوبة؟
ملّي مستوى الأطفال في المدارس العمومية في انهيار بفضل أسطورة المدارس الرائدة، وتصنيفنا في الذيل وطنيا ودوليا. آش جا يدير وزير المصّاصة؟
ملّي المستشفيات العمومية في حالت شلل أشهرا عديدة بسبب الإضرابات مقابل تفريخ المستشفيات الخاصة بأسرع من تكاثر الأرانب، وبوحمرون داير غزوة وكأننا في القرون الوسطى، والناس تلجأ للمدونين للحصول على معلومة حول هذا الإجراء أو ذاك. آش جا يدير الموظف السابق لسلوى أخنوش على رأس وزارة الصحة؟
ملّي 80% من الأُسر تقول بانهيار مستوى معيشتها، 90% غير قادرة على الادخار، 3 ملايين نسمة تدحرجت صوب خط الفقر، نصف الشباب عاطل، 16 ألف مقاولة أعلنت الإفلاس في عام واحد… في زمن تنتعش فيه ثروة وأعمال أخنوش؛ آش جا يدير موسيو عزيز؟
المشكل في هذه البلاد السعيدة مشكل وعي وإدارك، قبل أن يكون مشكل سياسات دولة أو حكومة.
في أوروبا والدول المُتقدمة، المواطن يعي جيدا أن الخدمات العمومية حق من حقوقه، ماشي صدقة من الدولة بل واجبة عليها. وأنها خدمات بالمقابل (تُمول من الضرائب) وليست مجانية.
المواطن هنالك يؤمن أنه السيد، وأن جميع المسؤولين خدامين عنده ويتقاضون رواتبهم من جيبه، لأنه ما مساليش يدخل معمعة السياسة، أو ما عندوش معها أو لن ينجح إن هم بالدخول إليها.
المواطن في تلك البلدان يعلم أن المال العام ماله الخاص، إما اقتطاعا من دخله عبر الضريبة أو نصيبا من ثروات بلاده، ماشي مال الدولة.
عندما نُدرك ونتعامل على أساس أننا:
أسياد لا عبيدا!
مُلاّكٌ لا مملوكين.
مواطنون لا رعايا.
أصحاب حق لا ننتظر مِنة أو صدقة.
حينها، وفقط، يتحول غضب المواقع إلى تغيير في الواقع.
قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان، ولقصتنا دائما بقية…
المزيد من الأبحاث والدراسات في عرض 2025: (نسخة ورقية من كتاب المملكة المغربية + نسخة ورقية من كتاب المغرب اللّذيذ + ملف رقمي بأقوى 100 بحث لعام 2024) بـ 100 درهم، وتوصيل مجاني. غير لي ما بغاش يقرا!
للطلب: وتساب 0657812086
أيوب الرضواني Ayoub Radouani
